من مذبحة "الروضة" إلى "الأكاذيب والافتراءات"!
بقلم عبد المحسن سلامة
منذ حوالى 3 أعوام ونصف العام وقعت جريمة مذبحة مسجد الروضة، تلك الجريمة البشعة التى استيقظ العالم عليها، واستهدفت المصلين الأبرياء فى المسجد، الذى يقع بقرية الروضة، التى تبعد عن العريش بمسافة 50 كيلو مترا، وتبعد عن بئر العبد بحوالى 40 كيلو مترا بمحافظة شمال سيناء.
وقع الحادث الإرهابى الأسود يوم الجمعة الموافق 24 نوفمبر عام 2017، أثناء قيام المصلين بأداء شعائر صلاة الجمعة، حيث انفجرت فى البداية عبوتان ناسفتان داخل المسجد، ثم قامت مجموعة إرهابية من التكفيريين بمهاجمة المصلين من خلال قذائف صاروخية من نوع آر بى جي.
أثناء فرار باقى المصلين خارج المسجد قام أفراد من المجموعة الإرهابية باستهدافهم بالرشاشات والبنادق الآلية.
بلغ عدد شهداء تلك المذبحة الإرهابية 305 شهداء، بالإضافة إلى عشرات المصابين، مما جعل تلك المذبحة ثانى أكبر عملية إرهابية فى عدد ضحاياها بعد أحداث 11 سبتمبر فى الولايات المتحدة الأمريكية.
حادث مسجد الروضة كان ذروة الأعمال الإرهابية التى تمددت فى سيناء بعد 25يناير 2011، ووصلت إلى رفع الرايات السوداء على أرض سيناء الطاهرة، فى محاولة يائسة من الجماعات الإرهابية وتنظيم داعش، لإعلان ولاية سيناء على غرار ما حدث فى العراق وسوريا وليبيا.
كانت القوات المسلحة ترصد وتتابع كل صغيرة وكبيرة على أرض سيناء وتقوم بعمليات نوعية دقيقة أسهمت فى كسر شوكة الإرهاب على أرض سيناء وفى غيرها من المناطق.
بعد الحادث المأساوى لم يكن هناك مفر من إطلاق عملية شاملة لتطهير كل شبر من أراضى سيناء من دنس الإرهابيين، واستئصال "شأفتهم" إلى غير رجعة، بعد سبع سنوات من العمليات الإرهابية التى استهدفت دماء المصليين فى المساجد، ودماء المصلين فى الكنائس إلى جوار دماء أبناء القبائل من المدنيين الأبرياء، وكذلك دماء رجال الشرطة والقوات المسلحة.
بعد مرور ثلاثة أشهر من حادث مسجد الروضة وبالتحديد فى فبراير 2018 أطلق الرئيس عبد الفتاح السيسى العملية الشاملة لتطهير أرض سيناء وكل الأراضى المصرية من بقايا الإرهابيين والتكفيريين.
نجحت العملية الشاملة فى تحقيق أهدافها كاملة، بعد أن اقتحمت كل الأوكار الإرهابية، وقتلت العدد الأكبر من الإرهابيين، وقامت بالقبض على من تبقى منهم،، وإلى جوار ذلك نجحت العملية الشاملة فى تجفيف مصادر تمويل العمليات الإرهابية، وقطع كل وسائل الإمداد والتموين لتلك العناصر "المارقة".
أسهمت العملية الشاملة فى تراجع العمليات الإرهابية إلى أدنى حدودها، وخرجت مصر من قائمة "الدول العشر الأكثر تأثرا بالإرهاب" وفقا لتقرير "مؤشر الإرهاب العالمى".
كانت العمليات الإرهابية قد وصلت إلى رقم قياسى عام 2015 حيث بلغ عددها 594 عملية إرهابية، وتراجعت إلى 199 عملية فى 2016، ثم إلى 50 عملية فى 2017 من بينها حادث مسجد الروضة الشهير الذى يعد الأكبر على الإطلاق فى عدد الضحايا والمصابين.
مع إطلاق العملية الشاملة تراجعت العمليات الإرهابية إلى 8 عمليات فى 2018، ثم عمليتين فقط فى عام 2019.
الآن عادت الحياة إلى طبيعتها فى سيناء، وفتحت الأسواق أبوابها، واستقبلت المدارس والجامعات الطلاب، وجرت عملية انتخابات الشيوخ والنواب دون مشكلات.
على الجانب المقابل قامت الدولة المصرية بإطلاق أكبر عملية تنمية تشهدها سيناء طوال تاريخها المعاصر، حيث تم تخصيص حوالى 600 مليار جنيه للمشروعات القومية على أراضى سيناء بما فيها مشروعات الطرق والأنفاق، والبنية التحتية والخدمات من صحة وتعليم، ومحطات مياه الشرب، والكهرباء، والصرف الصحي، إلى جوار إقامة مناطق صناعية ولوجيستية، وكيانات اقتصادية عملاقة بمحور قناة السويس.
المتابع للحالة فى سيناء يجد أن المشهد هناك يتغير بمعدلات متسارعة وغير مسبوقة، فالمشهد فى الشهر الماضى، غيره فى الشهر الحالى، وهو مختلف بالتأكيد عن الشهر المقبل.
وتيرة الإنجازات متسارعة بشكل لاتخطئه العين، بما فيها عودة الحياة إلى طبيعتها فى كل مناطق سيناء، ولم تعد هناك مناطق ممنوع الاقتراب منها كما كان يحدث قبل إطلاق العملية الشاملة.
كانت "عزلة" سيناء عن الوطن الأم إحدى أهم أسباب انتشار الجماعات المتطرفة بها، حيث تبلغ مساحة سيناء نحو 6% من مساحة مصر، فى حين لا يسكنها سوى أقل من مليون نسمة، فى حين أن النسبة الطبيعية المتوافقة مع مساحتها لا تقل عن 6 ملايين نسمة.
المساحات الخالية، والفراغ العمرانى استغلتهما الجماعات التكفيرية فى "التقوقع" و"الاختباء" فى بعض تلك المناطق، مستخدمين أساليب الكر والفر، لكن دخول الدولة بقوة غير المشهد تمامًا على أرض سيناء، ولم يعد "للغربان السوداء" مكان يؤويهم هناك.
كان الذهاب إلى سيناء برًا رحلة شاقة بكل ما تحمله الكلمة من معان حيث لم يكن هناك سوى نفق الشهيد أحمد حمدي، وكوبرى السلام، وهما لا يستوعبان حركة التنقل الطبيعية من وإلى هناك، مما جعل مشاهد التكدس والازدحام للشاحنات والسيارات والمعديات عادة يومية تمتد إلى ساعات طويلة وربما أيام.
الآن تغير المشهد تمامًا بعد أن أصبح هناك 6 أنفاق بعد إضافة 5 أنفاق جديدة دفعة واحدة ليصبح ما حدث على أرض سيناء فى هذا المجال هو إنجاز القرن بكل ما تحمله العبارة من معان.
لقد استغرق العمل فى نفق الشهيد أحمد حمدى نحو 6 سنوات، حيث بدأ العمل فيه عام 1975، وتم افتتاحه فى عام 1981، فى حين أن الأنفاق الخمسة الجديدة تم تنفيذها جميعًا فى أقل من مدة تنفيذ النفق الواحد، وهو ما يعطى صورة حقيقية لما يحدث من إنجاز على أرض سيناء.
من حسن حظى أننى كنت واحدًا ممن شاركوا فى افتتاح تلك الأنفاق، وسرت بداخلها "مترجلاً" قبل الانتهاء من أعمالها، كما سرت بداخلها بالسيارة بعد انتهاء العمل بها، وكذلك بعد افتتاحها رسميًا لكل المواطنين.
شاهدت ماكينة الحفر العملاقة تخرج من أحدث مواليد الأنفاق الخمسة "نفق الشهيد أحمد حمدى (2)"، فى العام الماضى، ليصبح هناك 6 أنفاق عملاقة تربط سيناء بمدن القناة الثلاث "الإسماعيلية وبورسعيد والسويس".
ليس هذا فقط بل إن هناك أيضا 5 كبارى عائمة إضافية تم افتتاحها مما سهل حركة المواطنين، وأصبحت مدة المرور داخل النفق لا تزيد على 20 دقيقة تقريبا، وهو ما جعل حركة الذهاب والإياب من وإلى سيناء أقرب من مناطق كثيرة داخل مصر.
هذه الطرق والأنفاق والكبارى كلها تهدف إلى تعمير سيناء، وجذب الاستثمارات والمستثمرين إلى هناك بما يعود على المواطنين من أبناء سيناء أولًا وقبل غيرهم من أبناء باقى المحافظات بالخير، وتحسين مستواهم المعيشى والاقتصادي.
من خلال تلك المشروعات دخلت سيناء عصر التنمية الاقتصادية والعمرانية، وكان إنشاء مدينة الإسماعيلية الجديدة هو البداية لإنشاء سلسلة من المدن الجديدة على أرض سيناء مثل مدينة بئر العبد الجديدة، ومدينة رفح الجديدة لاستيعاب كل الراغبين فى الاستثمار والسكن والعمل على أرض سيناء فى إطار الخطة الاستراتيجية التى يتبناها الرئيس عبدالفتاح السيسى بمضاعفة نسبة المساحة المعمورة من الأراضى المصرية من 7% إلى 14%.
وسط تلك الانجازات والتحولات الاقتصادية الضخمة التى تشهدها سيناء خرجت منظمات تدعى أنها معنية بحقوق الإنسان - للأسف الشديد - تتجاهل كل تلك الانجازات، وتنشر الأكاذيب والافتراءات حول حقوق الإنسان فى سيناء.
تجاهلت تلك التقارير "المشبوهة" المذابح الإرهابية التى عانى منها مواطنو سيناء، ولم تسلم منها قبيلة واحدة، بعد أن مارست تلك الجماعات الإرهابية أشد صنوف القتل والتنكيل بكل أبناء ومواطنى سيناء، ولم يسلم شيوخ وأعيان القبائل من تلك الأفعال "الشائنة".
تناست تلك التقارير "الملفقة" كل ذلك، وتجاهلت حالة الاستقرار وعودة الأمن والأمان إلى كل مناطق ربوع سيناء والمصحوبة بالتنمية الاقتصادية الشاملة فى مجالات استصلاح الأراضى والاسماك، وإقامة المشروعات الصناعية والاقتصادية المتنوعة.
المنظمات المشبوهة أطلقت العنان لخيال "الموتورين" و "الإرهابيين"، وتناست الحقائق الموجودة على الأرض، وما شهدته سيناء من إنجازات غير مسبوقة بدءًا من عودة الأمن والأمان إلى ربوع كل مناطق سيناء، ومرورًا بإنهاء عزلة سيناء إلى الأبد، بما يصب فى المقام الأول فى مصلحة مواطنى وأهالى سيناء، وانتهاءً بإقامة المشروعات الاقتصادية، والتجمعات العمرانية، والخدمات الصحية والتعليمية، بما يهدف إلى تحسين جودة الحياة لكل المواطنين هناك وتوفير حياة كريمة لهم.
أخيرًا يبقى سؤال موجه إلى تلك المنظمات: هل الصورة المثلى التى كانوا يريدونها فى سيناء هى تكرار لتلك الصور البائسة فى اليمن وليبيا وسوريا والعراق والصومال؟!
أتمنى أن تكون لديهم إجابة مقنعة وواضحة إلا إذا كانوا يستهدفون ذلك للأسف الشديد!!